مصر الغد
_ مقالات صحفية _ مقال 4:
غوص في
أعماق جبل الحلال
تخمينات
على وتر الشاعر
مصر،
القاهرة 28 نوفمبر 2014، هذا المسلسل
الرمضاني الرائع من حيث المضمون وكل ما يتعلق به فيما بعد من اختيار الأبطال
والسيناريو والحوار والتصوير ، فقد كان كل ما يمت للمسلسل بصلة كعمل فني يستحق
الإشادة والإعجاب ، لكن هذا ليس موضوع مقالي هذا فأنا لن أنقد أو أحلل المسلسل ككل
ولكني سأرصد الوتر الحساس للشاعر الذي استطاع أن يلخص في نظري الواقع الذي نحياه
اليوم في كلمات بسيطة لكنها مزلزلة .
في
البداية أحب أن أسجل أنه ليس غريباً على الشاعر المتميز أيمن بهجت قمر الذي لطالما
لعبت كلماته المعبرة وأحياناً الصادمة على أوتار قلوبنا لصدقها وتجسيدها للواقع
بتلقائية يشعر معها كل قارئ أنه هو من كتب تلك الكلمات أو أن تلك الكلمات هي
تماماً ما يريد أن يعبر به عما بداخله أياً كان حزناً أو فرحاً أو نقداً للواقع
وسلبيات الحياة التي نحياها، لكن عند سماعي تتر مسلسل جبل الحلال للمرة الأولى
أيقنت أن هذا التتر سوف يترك علامة كدأب رمضان كل عام نجد أن هناك بعض التترات
التي ما تلبث أن تتلاقفها الألسنة وأجهزة الموبايل والسي دي لتجلجل في كل شوارع
مصر وبيوتها حتى يكرم الله الناس برمضان آخر وتترات أخرى .
لكني
شعرت مع تتر جبل الحلال بشيء غريب شعرت بالكلمات تنفذ إلى قلبي وعقلي الذي بدأ في
بث صور واقعية عجيبة إلي مع كل جملة في التتر ورأيت أوصافاً تطلقها الكلمات تتطابق
مع الواقع بل وتمثل كل فئة بل وكل فرد في مصر ، لذا قررت أن اشارك قرائي الأعزاء
هذه الصور والمشاعر التي مرت أمام عيني وشعرت بها تعبر عني وعن كل إنسان خلقه الله
.
بدأ
التتر بـ "عيني عللي فوق كتفه هموم جبلين"، هل يعلم أحد من قرائي
الأعزاء عن شخص لا يحمل هماً هل من إنسان ليس لديه مشكلات ، هل من كائن بشري سعيد
دائماً أبداً لم يشعر بالخوف أو بالحزن أو بالاكتئاب ، إذا فهذا الوصف يجسد حالة
يعاني منها الغفير والرئيس.
"عيني
عللي عليه العين"، ترى من هو؟، أعتقد أنه كل شخص مسئول ولا نستثني إلا
الأطفال، حتى هذا الشاب الذي يصفه الناس بأنه رايق ليست لديه مسئولية مع أنه قد
بلغ من العمر أرزله وما زال مستقبله خلفه فهو يحصل على قوت يومه ويكفي احتياجاته
بالقهر والإهانة ويعود إلى بيته ليظل وحيداً بلا زوجة وبلا أهل فهذا هو همه فناء
زهرة شبابه، أيضاً اللي عليه العين كل مسئول عن شيء أي المسئول في منصب سياسي
والمسئول عن صحة الناس وعن أمنهم والمسئول عن أسرته والمسئول عن اليتامى والمسئول
عن الموظفين والمسئول عن طعام البشر وشرابهم وتعليمهم والمسئول عن دينهم ، أيضاً
من الغفير إلى الرئيس كلنا مسؤولون وكلنا علينا العين، لكن هناك الكثيرين يختفون عن
الأعين ولا تدركهم العين.
"واللي
تلاقي له قريبين تعابين"، أما عن هذا الوصف فأرى أنه إسقاطاً سياسياً
أكثر منه اجتماعياً، لأن هؤلاء هم الحاشية وهذا الحاشية لا يكون لها تأثيراً ضاراً
ومدمراً على المجتمع ككل إلى من حيث السلطة، فحاشية المسئول السياسي فسادها يفسد
عموم المجتمع ويصيبه بالعدوى فوراً ، أما فساد الحاشية حول عميد العائلة أو صاحب
المؤسسة فهو في النهاية يقع على عاتق المؤسسة أو العائلة ولا يضر عموم المجتمع إلا
أنه يضر على كل الأحوال فالحاشية الفاسدة في أي موقع تدفع وتحرض على الظلم والقهر
والاستبداد وإن كانت في عائلة أو مؤسسة أو في القصر الرئاسي ، وهذه الحواشي هي
التي تنشر الفساد وتغطيه وتحميه وتعمي عنه الأنظار لذا فهم حقاً تعابين تفح وتنفخ
سمومها في الجانب الخير للي عليه العين فيظلم ويقهر وهو يعتقد أنه يصلح المجتمع
وينقذه من الانهيار، وكل ما تعلمته عن مسألة التعابين هو أنك إذا لم تحطم رأس
الثعبان ظل حياً ينفخ سمومه وظل قادراً على العض.
"وانقلبت
الآية المزايا عيوب، وأهي ماشية بالمقلوب"، هذان الوصفان لا أجد تعبيراً
أكثر منهما لإسقاطه على الواقع الذي نحياه اليوم ، ولننظر نظرة منصف نظيف اليد
والقلب والعقل ، كيف لم تنقلب الآية وقد أصبح الرقص الشرقي للنساء وللرجال مفخرة ،
كيف لم تنقلب وقد أصبح الشاب المؤمن الذي لا ينتمي إلى أي تيار ديني إرهابي ومعيرة
وتطارده أعين الناس فقط لأنه متمسك بكتاب الله وسنة رسوله وبالصلاة والصوم وترك
المعاصي ويعيش في طاعة الله، كيف لا وقد أصبحت الدعارة والبلطجة إبداع فني وواقع
يجسد ، كيف لا وقد أصبحت الأسرة القاطنة في بيت واحد لا يرى أفرادها بعضهم بالأيام
، كيف وقد أصبحت البيوت بلا رقابة وصار الأبناء يفرضون سيطرهم على الأباء والأمهات
الذين صار أبنائهم عبقارة تكنولوجيا وهم ما زالوا لا يعرفون كيف يستخدمون الموبايل
والكمبيوتر ، كيف لا وقد أصبحت الفوضى وفرض النفوذ بالقوة واحتلال الطرقات وتكدس
القمامة وإطلاق البذاءات هي السمة الغالبة على الشارع المصري، كيف لا وقد أصبح من
ليس له عمل عمله تسميم عقول الناس وعقائدهم ، كيف لا وقد أصبحت معاملة الراشي منجزة
قبل أن يقدمها بفضل المرتشي الفاسد ليظل المواطن الفقير صاحب الحق الأصلي مهمش
ومعطل ومركون على الرف لأنه لم يشخلل جيبه، وكيف لا وقد غزت المطالبة بالحرية
والتحرر الغربي بيوت المصريين وعقول شبابهم وبناتهم، كيف لا وقد أصبح سهم التخلف
والرجعية يطلق فوراً على قلب كل من يتحدث عن العيب والحرام في مجتمع يفترض أنه
إسلامي مؤمن، كيف لا وقد أصبحت كلمة إسلامي كأنها سبه والعياذ بالله ، كيف لا وقد
انتشر الدجل وراجت الخرافات والأساطير فتحولت إلى نصوص مقدسة يريدون من أطلقوها أن
تحل محل الكتب السماوية لتقضي على ما تبقى من الدين لتمهد أرضاً جديدة لخدام
لوسيفر والدجال.
"ومهما
يجرى تمللي مش قابلين"، حقاً إبحث عن الرضا ، والذي نفسي بيده لو رضى
الإنسان بما قسم له الله لكان لعاش سعيداً ومات سعيداً وهذا حقاً من يطلق عليه
"ليس لديه هموم" لأن الهم يأتي من عدم الرضا وجحود النعمة والنظر إلى ما
في يد الغير ، وإني لأتعجب من الإنسان فهو دائماً ما ينظر أعلاه ولا ينظر أسفله
دائماً يتطلع ليحصل على ما يراه لدى من يعتقد أنهم أفضل منه وأسعد ، ولا ينظر إلى
ما لديه وليس لدى غيره ، ولا يعلم أن كل منهما ابتلاء له الأكثر منه غناً والأكثر
منه فقراً كما أنهم ابتلاء لبعضهم البعض ، فالله سبحانه وتعالى قد خلق كل شيء بقدر
وبميزان لا يخطئ فجعل الفقير ابتلاء للغني فلو عطف عليه وأخرج زكاته وساعده يكون
قد نجح في الاختبار وإن تغطرس وبخل وأعرض يكون قد رسب وجزاءه عند الله شديد ، كما
أن الغني ابتلاء للفقير الذي إما أن يصبر ويحتسب فقره عند الله فيطلب من الله أن
لا يزيل النعمة من الغني وأن ينعم عليه أكثر فيكون قد نجح في الاختبار وإما أن
يحقد وينقم ويتأفف ويقنط وفي تلك الحالة يكون قد عاش في كبد ومات خالي الوفاض من
رحمة الله وشفاعة رسول الله، لذا فكل منا نحن البشر ابتلاء للآخر فالإنسان
"لا يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" كما قال الله سبحانه وتعالى في
كتابه العزيز سورة "ق" ، لذا علينا أن نرضى وأن نعلم أن كل معاناة من
ابتلاء لها جزاء وأجر عند الله ، وكل سخط وغضب ونقمة وحقد أيضاً لهم جزاء وعقاب
عند الله، فارضى بما قسم الله لك تكن أسعد الناس واعلم أن المال مال الله ونحن
مستخلفون عليه حتى أغنى الأغنياء يظن أنه يملك لكنه في الواقع لا يملك شيئاً فقد
جاء الإنسان إلى الدنيا خالي اليدين وسيخرج منها لا محالة خالي اليدين ولا أصدق
وأدل على ذلك من أن هذا الثري الذي ظل يجمع في ثروته طوال حياته حتى كنز المليارات
ثم مات فورثه من لم يشقى أو يكد في جمع هذه المليارات أما الموروث فقد ذهب إلى
الخالق فقير صفر اليدين من الصدقات والحسنات ومعاونة الناس وتفريج كربهم والإحسان
للأهل والجيران فخسر دنياه وخسر آخرته من فرط طمعه.
"قاتلين
في بعض وكله بيحللها"، هذا التعبير لا يحتاج إلى إسهاب في الشرح وضرب
الأمثلة فهذه الآفة "كله بيحللها" قد أكلت المجتمع ودمرته فتجد المرتشي
يحول اغتلاسه إلى إكرامية أو هدية ، وتجد المستلق الاستغلالي المتلون ينم ويغتاب
ويضرب الأسافين ليصعد على أكتاف زملائه ، وهناك من يتلاعبون بأقوات الناس وصحتهم
من مستوردي الأغذية المسرطنة والمواد الكيماوية والصفقات المشبوهة المبنية على
العمولات ، وهناك من يضللون الناس ويوجهونهم ويغسلون عقولهم من أجل السلطة أو
المال كبعض الإعلاميين والمثقفين ورجال السياسة ، أما على المستوى الاجتماعي فحدث
ولا حرج عن المتاجرين بالأطفال وبالأعضاء وبالمخدرات وبالسلاح ، ومن يأكل مال
اليتيم ومن يخرب التعليم ، وهناك من يكتم شهادة الحق ومن يبيع ما لا يملك إلى من
لا يستحق ... إلخ ، هناك المئات من الأفعال المحرمة التي ترتكب كل يوم وتمر مرور
الكرام حتى أصبحت عادة في الشارع المصري والبيت المصري والمؤسسات المصرية.
"قاتلين
في بعض وشوش خشب ووحوش"، حقاً فاليوم عندما تمشي في الطرقات وتنظر في
وجوه الناس وأعينهم ترى شيئاً مخيفاً فترى الرعب والقلق والخوف واليأس والاكتئاب
ونفاذ الصبر والحدة في التعامل ، حتى العادات التي كنا نباهي ونتفاخر بها للجذب
السياحي قد انقرضت وكل ما كنا نبهر به العالم من الكرم والبشاشة ودماسة الخلق أصبح
في خبر كان ، أصبح الغضب هو السمة الأساسية على وشوش المواطنين، أصبح القتل بدم
بارد وأعصاب هادئة وأصبح السلاح في بيت كل مصري ضرورة وكأنه ينتظر خطر ما يهدده
ويهدد أمن أسرته سيحطم عليه الباب في يوم ما ، انعدمت الثقة وأصبح التربص والحذر
هم السمة الغالبة على أفعال الناس وعلاقاتهم حتى في الأسرة الواحدة ، هل هذه حياة
.
"زي
البدل مبادئنا بنبدلها"، في نظري قد أصبح هذا الفعل رمزاً للإعلام المصري
المعاصر ، فالصدمات التي تلقيتها وأنا أقوم بمراجعة بعض الفيديوهات لبعض
الإعلاميين ورجال الدين والسياسة خلال الفترة من 2010 وحتى اليوم جعلتي أوقن أن
هذا الوصف حقيقي لا محاله فهناك من يبدلون جلودهم كبدلهم وليس مبادئهم على سبيل
المثال قد شاهدت فيديو لإحدى الإعلاميات الشهيرة خلال ظهورها على قناة فضائية ظهرت
فجأة خلال حقبة الثورات بالتحديد قبل إلقاء خطاب التنحي بيوم أو يومين وهي على وشك
الانهيار والبكاء خلال محاولتها المستميتة للعفو عن مبارك وإعطائه فرصة لتصحيح
أخطاءه ، وعقب خطاب التنحي خرجت هذه المذيعة وبكت بحرقة لتنحي مبارك وظهرت
كالتائهة المذهولة من فرط الصدمة ، ونفس المذيعة فيما بعد هاجمت مبارك ونظام مبارك
وما فعله خلال ثلاثين سنة وقالت "يا جماعة مصر اتغيرت إحنا بنتغير"
والسعادة والفرح يملئان قلبها ووجهها ، وعندما جاء مرسي إلى السلطة اتخذت منحى
أخرى خلال مطالبتها للشعب بإعطاء فرصة للإخوان وللريس مرسي وقامت باستضافتهم
ومحاورتهم لتجميل صورتهم أمام الشعب ، وخلال التمهيد لـ 30 يونيو وبعدها صبت جام
غضبها على الإخوان ورئيسهم وعادت لتضرب المثل بعهد مبارك وظلت تدفع باتجاه إسقاط
الإخوان وفض رابعة والنهضة بالقوة وطردهم خارج مصر، وهذا مثال متكرر مع معظم نجوم
التوك شو من الإعلاميين والضيوف على جميع المستويات، والعجيب أنه رغم وجود تلك
الفديوهات والحقائق المخزية التي يجب أن يعير بها الإنسان إلا أنهم ما زالت لهم
وجوه يطلون بها على الناس ليكذبوا ويدلسوا مرات ومرات والأعجب من ذلك أنهم ما
زالوا يحققون نسب مشاهدة عالية علماً بأني من المشككين في هذا الموضوع وأعتقد أنه
أيضاً تدليس مسيس وكذب مجمل.
"واللي
انكوى بالنار ما تأمنلوش"، هنا أختلف مع الشاعر في رؤيته إن كانت تطابق
تصوري أو فهمي ، فمن ينكوي بالنار لا يحب أن يكوى بها غيره وهذا يتوقف على المعنى
الذي في بطن الشاعر عن ماهية تلك النار والمكتوي بها، لكن وفق رؤيتي فمن تعذب
وتعرض للظلم والقهر لا يشترط فيه أن يتحول إلى خائن غدار ، بل على العكس ربما يفطر
قلبه أن يرى شخص يتعرض مثله للظلم والقهر ، أما من تعرض لذلك فامتلأ قلبه بالحقد
والنقمة على المجتمع فهو مريض أصابه نفس المجتمع بما أفقده الرحمة وقسى قلبه وغيب
عقله ويجب على المجتمع أن يعالجه ويداوي جراحه ويرد له آدميته التي لا تنفصل عن
كرامته.
"جوانا أش ووشنا كداب"، حقاً فداخل الإنسان اليوم عبارة عن مسرح صراعات وساحة
لمعركة مزمنة بين الحاضر والمجهول وبين الجنة والنار وبين الصواب والخطأ وكل ذلك
خلق فراغاً شاسعاً بلا وزن داخل الإنسان وحوله إلى كائن هش خفيف تقتلعه من أرضه نسمة ريح ،
وهذه الابتسامة الكاذبة على وجوه الناس تخفي وراءها وجوه من القلق والخوف والغضب، قد
أصبح الإنسان يملك وجوهاً بعدد الناس التي يعرفها ويتعامل معها في حياته اليومية
فكل مننا اليوم يعامل كل فرد في أفراد أسرته بوجه وكل زميل في العمل بوجه وكل رئيس
عمل بوجه وكل جار بوجه وكل صديق بوجه ، وقد قررت ذات يوم أن أعد الوجوه التي
استخدمتها خلال يومي فوجد أني قد بدلت حوالي 32 وجه وفق عدد الأشخاص الذين تعاملت
معهم مباشرة في هذا اليوم وعلى رأسهم أمي ، ووجدت أيضاً أن كل وجه من هذه
الوجوه مرتبط بموضوع مختلف ومود مختلف وأسلوب مختلف وأيقنت أن الإنسان يأتي عليه
يوماً فيكون ربما عشرون شخصاً أو ثلاثون أو إثنين وثلاثون كحالي في هذا اليوم، كما
أني أيقنت أن تلك الصفة في حياتنا الاجتماعية العادية اليومية لا تمثل خطورة وليست
عيباً إلى عندما تكون غاية لتحقيق غرض ما وتزييف حقيقة أو نفاق أو كراهية أو ظلم
لأنه من الطبيعي أن الإنسان لا يعامل كل من يعرفهم ويقابلهم في حياته معامله واحدة
فمثلاً لن أعامل أمي كما أعامل زوجتي أو جارتي أو أختي ولن أعامل أبي كما أعامل
صديقي أو رئيسي في العمل لذا فتلك الوجوه هي طبيعية وليست خطرة ، أما الخطر كل
الخطر من الوجوه المصطنعة المزيفة.
"وكلنا
ف دوخة بلونة منفوخة يا دوب بشكة إبرة نبقى سراب"، حقاً هكذا نحن فهذا
الإنسان الجبار العنتيل المتكبر الذي يملأ الأرض ظلماً وطغياناً ما هو إلا لسان ،
وانظر إلى قدرة الله وحكمته في خلقه فتجد هذا الذي طالما قهر الناس وظلمهم وحكم
عليهم قد أذله الله وجعله عبرة لمن يعتبر ، وهذا إنسان آخر يتباهى بقوته ويستعرضها
على الناس قد أصابه مكروب أو مرض لعين فأصبح كالجسد الذي فارقته الروح وهو على قيد
الحياة ، وهذا الذي يظن نفسه متسلط وصاحب نفوذ ومال وأنه مخلد على عرشه حتى يأتي
من هو أغنى وأقوى وأكثر طغياناً فيسحقه ويمحوا سيرته من ذاكرة الناس ، متى سيتعلم
الإنسان أنه لا دايم إلا وجه الله وأننا من الأرض خلقنا وإليها نعود وإن ربك
لبالمرصاد وأنه هو الجبار المتكبر المنتقم وهو أيضاً العدل الرحمن الرحيم لكن لا
سبيل إلى رحمته وعفوه ومغفرته إلا بالتوبة ومراجعة النفس والرجوع إلى الحق وليعلم
الإنسان أنه لا شيء في ملك الله وكونه وأنه أضعف في أحيان كثيرة من حشرة خلقها
الله وقدر لها رزقها فأدت واجب شكرها لما أنعم الله به عليها ، أما الإنسان فهو
ظلوم كفار يظلم نفسه ويكفر بنعمة الله عليه وفي نظري أقصى درجات الكفر بنعمة الله
أن لا يكفي الإنسان الناس شره .
"على
الميزان اوزن وهيبين ما هو الحرام بين وبرده الحلال بين" ، فكرت كثيراً
أي ميزان هذا الذي يقصده الشاعر ولم أجد إلا ميزان الفطرة وليس مزيان العقل أو
ميزان القانون فميزان الفطرة هو أقوى الموازين التي خلقها الله سبحانه وتعالى
بداخل الإنسان مختلطاً بروحه ، فإني على يقين أن كل إنسان يفعل فعل ما يعلم بفطرته
تماماً هل يفعل حلالً أم حرامً مهما كان هذا الفعل فالمرتشي يعلم أنه يرتكب إثمً والنمام
والمغتاب والظالم لأهله ولوطنه يعلم تماماً أنه يخالف فطرته التي جبله الله عليها
، لذا تجد دائماً الإنسان الذي يقدم على فعل محرم تصيبه غصه في قلبه يتفاداها
ويتجنبها بكل وعي وبلاده حتى يحصل على اللذة أو المنفعة المحرمة التي يبتغيها، على
سبيل المثال المدخنين يعلمون تماماً أن التدخين حرام لأنه مضر له وللآخرين لكنه
يتحايل على ذلك بأنه ليس هناك نص صريح يقول بأن السجائر أو الحشيش حرام لكن الخمر
حرام ، ومن يجلس أمام النت ليشاهد الأفلام الإباحية ويهدر الساعات أمامها يعلم
تماماً أنه يرتكب زنباً فضلاً عن المشاهدة فالوقت الذي أهدره كان من الممكن أن
يكون مفيداً له وللآخرين من أسرته أو جيرانه أو ربه ، وأستثني من كل ذلك بالطبع كل
من له مسألة شرعية حديثة لا يعلم حكمها فيعود بها إلى أهل الذكر وعليهم ثوابه أو
وزره .
"وكله
متشاله مناب وحساب" ، حقاً فالمناب والحساب في رأيي شقين الشق الأول
دنيوي والشق الثاني أخروي ، فلكل إنسان مناب وحساب في الدنيا يتمثل في رزقه الذي
قدره الله له وأيضاً في الابتلاءات التي ابتلاه الله بها ، ووفق درجة صموده وصبره
ورضاه يكون منابه وحسابه في الآخرة لذا على الإنسان أن لا يحزن ولا يقنط وأن يحاول
جاهداً أن يرضى بمنابه وحسابه في الدنيا حتى يعوضه الله في الآخرة ومن يفعل ذلك
يقيناً ستمحى كل الضغائن والأحقاد والغضب من قلبه فيعود إلى ربه نظيفاً طاهراً
خالياً من الآفات فيتغمده الله برحمته ويجزئه الجنة وهذا من أقول له قد عوض الله
صبرك خيراً ، أما من استعجل منابه وحسابه في الدنيا فأسفي وندمي عليه لأنه سيجد
خزائنه خاويه عند الله لأنه قد حول كل رصيده في الآخرة إلى الدنيا واكتفى بها فأغناه
الله بها وأفقره في الآخرة وأورثه الندم والحسرة.
وهكذا
فإن الكلمات التي تخرج من خلال معاناة حقيقة ومعايشة صادقة للواقع يمكنها أن تعبر
عن كل ما يدور في واقع حياتنا في سطور قليلة لكنها كبيرة معبرة ومؤثرة وتمس الجرح
العميق الذي سببته البشرية في كون الله ونواميسه المقدسة وتبين كيف أن الإنسان قد
خرج عن المسار ومهد لنفسه مساراً آخر لكن نهايته مختلفة ومؤلمة وإن لم يراجع نفسه
ويوقظ ضميره ويتوب إلى الله فسيترك ما استخلفه الله عليه مدمراً منهوباً لذا كان
لزاماً عليه أن لا يجعل عقله وقلبه وعقيدته مرتعاً للشيطان فيكون من الغاوين الذين
أخذ الشيطان عهداً أزلياً على نفسه أن يدخل النار وهم في أثره ، اللهم جنبنا
الشيطان وجنب الشيطان قلوبنا وعقولنا وعقائدنا وإيماننا وما رزقتنا.
معلومات للتواصل:
يمكنكم الاتصال بالناشر
أ/ محمد الديب
هاتف: (002-01027555436)
/ (002-01123433773)
عن مصر
الغد:
موقع
شامل، سياسي اجتماعي ترفيهي، مصر الغد غني بالكتب والمقالات والمعلومات التي يتشوق
الكثيرين إلى الاطلاع عليها والتي تهم كل أسرة وكل فرد في المجتمع العربي، وموقعنا
يحتوي على كم هائل من المعلومات عن الأسرار والنشاطات التي تطرأ على سلوك الأبناء
في فترات المراهقة وكيفية مواجهتها وعلاجها من خلال أراء الأطباء والمتخصصين
وأجهزة الأمن .. كما أننا نستعد في المرحلة المقبلة مع بداية عام 2015 إلى ابتكار
الكثير من المفاجآت والمسابقات التي نتمنى أن تنال رضا القراء وإعجابهم والتي
ستظهر أمامهم أفاقاً جديدة للحياة في المستقبل.